بول الابل والبانها
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن ناساً من عُرينة قدموا على رسول الله صلى
الله عليه و سلم فـاجتَـوَوها ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها و أبوالها ،
ففعلوا فصحُّوا ، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم و ارتدوا عن الإسلام و
ساقوا ذَودَ رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله
عليه و سلم فبعث في إثرهم فأتي بهم ، فقطع أيديهم و أرجلهم و سَمل أعينهم
، و تركهم في الحرة حتى ماتوا " . رواه البخاري و مسلم و اللفظ له
شرح ألفاظ الحديث :
اجتووها : أي كرهوا المقام فيها لمرض أصابهم ؛ مشتق من الجوى و هو داء في
الجوف . و في رواية : فعظمت بطونهم أي انتفخت ، واصفرت ألوانهم . ذَود
رسول الله صلى الله عليه و سلم : أي إبله . سَمل أعينهم : أي فقأها . وعن
أنس قال : إنما سمل النبي صلى الله عليه و سلم أعين أولئك لأنهم سملوا
أعين الرعاة . كما في رواية لمسلم . الحرة : أرض ذات حجارة سود معروفة
بالمدينة .
واحتج بهذا الحديث من قال بطهارة أبوال الإبل و هو قول
مالك و أحمد و طائفة من السلف ، و يبدو أن النبي صلى الله عليه و سلم أذن
لهم بذلك لأنهم كانوا قد ألفوه في حياتهم و اعتادت عليه أجسامهم ، فحالهم
في هذا كحال المدمن على تناول المخدرات يعالج بإعطائه منها جرعات تُقلَّل
بالتدريج حتى يشفى منها ؛ فالحديث محمول على حال الضرورة كالميتة للمضطر .
وقد وفَّق الله تعالى بعض أساتذة جامعة دمشق و أفاد من هذا الطب النبوي في
علاج طفل له صغير أصيب باستسقاء في رأسه ، وتضخم رأس الولد جداً و أعيا
الأطباء علاجه، فتذكر الوالد العالم المؤمن قصة العرنيين ، فصار يذهب إلى
مناطق نائية يأتي منها بلبن النوق ، وكانت النتيجة جيدة بل مدهشة منذ أول
قطرة رضعها الطفل .. علماً بأن تعليل نفع لبن الناقة و بولها للاستسقاء
واضح و ميسر علمياً ، لأن لبن الناقة يحتوي على كمية كبيرة من الكالسيوم
مركزة كما ذكر الدكتور محمود الجزيري ، يضاف لذلك ما ذكره الأنطاكي في
تذكرته و هي مرجع هام في الطب العربي ، فقد ذكر أن الإبل ترعى النباتات
الصحراوية كالشيح والقيصوم و فيها مواد نافعة لفتح السدد ، و هذا التوسيع
أو الفتح للأوعية يساعد على تصريف السوائل المتجمعة في حالة الاستسقاء [
السنّة المطهرة و التحديات ] .
المصدر : " الاربعون العلمية" عبد الحميد محمود طهماز - دار القلم