تصوير الجنين
عن حُذيفة بن أسيد الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول
: " إذا مر بالنطفة ثنتان و أربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصوَّرها و
خلق سَمعها و بصرها و جلدها و عظامها ، ثم قال : يا رب أذكرٌ أم أُنثى ؟
فيقضي ربك ما شاء و يكتب المَلَك ، ثم يقول : يا ربّ رزقه ؟ فيقضي ربك ما
شاء و يكتب الملك . ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ما أُمر و
لا يُقص ". صحيح مسلم في القدر 2645
وصف النبي صلى الله عليه و سلم في
هذا الحديث الشريف مرحلة بدء تخليق الأعضاء في الجنين ، و هو يتفق تماماً
مع ما يقرره العلماء المختصون ، فهم يقولون : في نهاية الأسبوع السادس (
42 يوماً ) تكون النطفة قد بلغت أوج نشاطها في تكوين الأعضاء ، و هي قمة
المرحلة الحرجة الممتدة من الأسبوع الرابع حتى الثامن ، فيكون دخول المَلك
في هذه الفترة تنويهاً بأهميتها ، و إلا فللملك ملازمة و مراعاة بالنطفة
الإنسانية في كافة مراحلها : نطفة و علقة و مضغة و دخوله لتقسيمها و شق
سمعها و بصرها و جلدها و لحمها و عظامها ... ثم بعد ذلك يحدد جنس الجنين
ذكر أو أنثى حسب ما يؤمر به ، فيحول الغدة إلى خصية أو مبيض ، والدليل على
ذلك ما يشاهد في السقط الذي تطرحه المرأة قبل الولادة حيث لا يمكن تمييز
الغدة التناسلية قبل انتهاء الأسبوع السابع و بداية الثامن [ خلق الإنسان
بين الطب و القرآن ] .
والجدير بالذكر أن الفقيه الحنفي ابن عابدين
رجح بهذا الحديث رأي صاحب البحر من فقهاء المذهب الحنفي الذي خالف
القائلين بأن ظهور الخلق لا يكون إلا بعد أربعة أشهر ، فقد قال رحمه الله
: لكن يشكل على ذلك قول البحر : إن المشاهد ظهور خلقه قبل هذه المدة _
أربعة أشهر _ و هو موافق لما في بعض روايات الصحيح : " إذا مر بالنطفة
ثنتان و أربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصوَّرها و خلق سمعها و بصرها و
جلدها " ؛ و أيضاً هو موافق لما ذكره الأطباء ، فقد ذكر الشيخ داود في
تذكرته أنه يتحول عظاماً مخططة في اثنين وثلاثين يوماً إلى خمسين ، ثم
يجتذب الغذاء و يكتسي اللحم إلى خمس وسبعين ، ثم تظهر فيه الغاذية و
النامية و يكون كالنبات إلى نحو المئة ، ثم يكون كالحيوان إلى عشرين بعدها
فتنفخ فيه الروح الحقيقية الإنسانية .
نعم نقل بعضهم أنه اتفق العلماء
على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر ، أي عقبها ، كما صرح به
جماعة ، و عن ابن عباس أنه بعد أربعة أشهر و عشرة أيام و به أخذ أحمد ، و
لا ينافي ذلك ظهور الخلق قبل ذلك لأن نفخ الروح إنما يكون بعد الخلق ، هذا
ما قرره الفقيه الحنفي ابن عابدين .
وقد سألت طبيباً عن رأي الطب في
هذا الموضوع فأجابني _ بعد أن استمهلني عدة أيام _ بقوله : إن التخلق يبدأ
بعد انتهاء الأسبوع الرابع من ابتداء الحمل ، و إن السمع و البصر يكتمل
تخلقهما بعد ثمان و ثلاثين يوماً تقريباً من ابتداء الحمل و الأحاديث
الشريفة الصحيحة تؤكد هذه الحقائق تأكيداً كاملاً ، و لما قلت له : إن
هناك فرقاً بين ما ذكره الحديث الشريف و بين ما يقرره الطب الحديث أن
التخلق يبدأ بعد اثنتين و أربعين ليلة من بداية الحمل في الحديث بينما هو
بعد ثمان وثلاثين يوماً تقريباً ، قال : هذا الإشكال يرتفع إذا علمنا أن
المدة الزمنية التي يحددها الطب الحديث تقريبية و لا يمكن تحديدها بدقة،
فإن الوقت الذي يتم فيه التلقيح في داخل بطن المرأة لا يمكن تحديده بدقة
كما سبق معنا في التعليق على الحديث الشريف قبله [ انظر إرشاد الناس إلى
أحكام الحيض والنفاس، للمؤلف ] .
المصدر : " الأربعون العلمية " عبد الحميد محمود طهماز - دار القلم